فصل: (فَصْلٌ): (دعاء الاستفتاح):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [دعاء الاستفتاح]:

(ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ نَدْبًا فَيَقُولُ) مَا رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَرَوَاهُ أَنَسٌ أَيْضًا، وَعَمِلَ بِهِ عُمَرُ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ إمَامُنَا، وَجَوَّزَ الِاسْتِفْتَاحَ بِغَيْرِهِ مِمَّا وَرَدَ، وَقَوْلُ: سُبْحَانَكَ، أَيْ: تَنْزِيهًا لَكَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِكَ مِنْ النَّقَائِصِ وَالرَّذَائِلِ وَبِحَمْدِكَ، أَيْ: وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ. وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، أَيْ: كَثُرَتْ بَرَكَاتُهُ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَصَرَّفْ مِنْهُ مُسْتَقْبَلٌ، وَلَا اسْمُ فَاعِلٍ، وَتَعَالَى جَدُّكَ: ارْتَفَعَ قَدْرُكَ وَعَظُمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْجَدُّ: الْغِنَى، فَالْمَعْنَى ارْتَفَعَ غِنَاك عَنْ أَنْ يُسَاوِيَ غِنَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ، أَيْ: لَا إلَهَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَيُرْجَى رَحْمَتُهُ، وَتُخَافُ سَطْوَته غَيْرُكَ. (وَيَتَّجِهُ): أَنَّهَا تَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ فِي أَوَّلِ كُلِّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ أَوْ مَنْذُورَةٍ. (وَفِي اسْتِفْتَاحِ أَوَّلِ رَاتِبَةٍ): كَسُنَّةِ فَجْرٍ، وَظُهْرٍ، وَمَغْرِبٍ، وَعِشَاءٍ، (وَ) فِي أَوَّلِ رَكْعَتَيْ (نَفْلٍ): كَتَرَاوِيحَ، وَضُحَى، وَوِتْرٍ أَرَادَ فِعْلَهَا كُلَّهَا؛ فَيَسْتَفْتِحُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ مِنْهَا، وَ(لَا) يَسْتَفْتِحُ فِي (كُلِّهِ) أَيْ: النَّفْلِ، طَلَبًا لِلْيُسْرِ، وَالسُّهُولَةِ، وَعَدَمِ السَّآمَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ عَنْهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَهُ فِي عِبَادَةٍ لَا يَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا، بَلْ يُؤْتَى بِهِ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِهَا؛ لِئَلَّا يَكُونَ تَارِكًا لِبَعْضِ السُّنَنِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ. (ثُمَّ يَسْتَعِيذُ، فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ}،، أَيْ: إذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» (وَكَيْفَمَا تَعَوَّذَ مِمَّا وَرَدَ فَحَسَنٌ)، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ. وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ، وَالْأَخْذُ بِهَا أَوْلَى، لَكِنْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. (ثُمَّ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ)، أَيْ: يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (نَدْبًا)، لِمَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى بَلَغَ: وَلَا الضَّالِّينَ. الْحَدِيثَ. ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. (وَلَيْسَتْ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (مِنْ الْفَاتِحَةِ)، أَيْ: وَلَا مِنْ غَيْرِهَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي». الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ كَانَتْ آيَةً لَعَدَّهَا وَبَدَأَ بِهَا، وَلَمَا تَحَقَّقَ التَّنْصِيفُ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ ثَنَاءٌ وَتَمْجِيدٌ أَرْبَعُ آيَاتٍ وَنِصْفٌ، وَمَا هُوَ لِآدَمِيٍّ آيَتَانِ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ إجْمَاعًا. وَنَظِيرُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ: «كَان النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ، بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا، لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ». (بَلْ) الْبَسْمَلَةُ بَعْضُ آيَةٍ مِنْ النَّمْلِ إجْمَاعًا، وَ(آيَةٌ فَاصِلَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ، سِوَى بَرَاءَةٍ، فَيُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهَا بِهَا) لِنُزُولِهَا بِالسَّيْفِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مَعَ الْأَنْفَالِ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ. وَتُسْتَحَبُّ فِي ابْتِدَاءِ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ الْمَشْرُوعَةِ، وَكِتَابَتُهَا أَوَائِلَ الْكُتُبِ وَلَا تُكْتَبُ أَمَامَ الشِّعْرِ، وَلَا مَعَهُ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكِيمِ. وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ؛ قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ يَشُوبُهُ الْكَذِبُ وَالْهَجْوُ غَالِبًا. وَيَجُوزُ الْجَهْرُ بِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ. (وَلَا يُسَنُّ جَهْرٌ بِمَا مَرَّ) مِنْ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «كَان النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الَّذِي يَسْمَعُهُ مِنْهُمْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ قَتَادَةُ: «فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». وَفِي لَفْظٍ: «فَكُلُّهُمْ يُخْفِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يُسِرُّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ» رَوَاهُ ابْنُ شَاهِينِ. (وَيَسْقُطُ) كُلُّ (أَوَّلٍ) مِنْ اسْتِفْتَاحٍ، وَتَعَوُّذٍ، وَبَسْمَلَةٍ (بِشُرُوعٍ بِثَانٍ) فَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِفْتَاحَ وَلَوْ عَمْدًا حَتَّى تَعَوَّذَ، أَوْ تَرَكَ التَّعَوُّذَ حَتَّى بَسْمَلَ، أَوْ الْبَسْمَلَةَ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا. (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) تَامَّةً بِتَشْدِيدَاتِهَا، وَهِيَ رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا: «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَيُطَوِّلُ الْأُولَى وَيُقَصِّرُ الثَّانِيَةَ، وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانَا، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ». وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ». وَعَنْهُ، وَعَنْ عُبَادَةَ، قَالَا: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ»، رَوَاهُمَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الشالنجي. (وَفِيهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (إحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً)، أَوَّلُهَا اللَّامُ فِي اللَّهِ، وَآخِرُهَا تَشْدِيدَتَا الضَّالِّينَ. وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي التَّشْدِيدِ وَالْمَدِّ. (فَإِنْ تَرَكَ) غَيْرُ مَأْمُومٍ (وَاحِدَةً) مِنْ تَشْدِيدَاتِهَا، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ، لِتَرْكِهِ حَرْفًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ الْمُشَدَّدَ أُقِيمَ مَقَامَ حَرْفَيْنِ. هَذَا إذَا فَاتَهُ مَحَلُّهَا وَبَعُدَ عَنْهُ، بِحَيْثُ يُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَأَعَادَ الْكَلِمَةَ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، كَمَنْ نَطَقَ بِالْكَلِمَةِ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ، ثُمَّ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ التَّشْدِيدِ سَهْوًا أَوْ خَطَأً، أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا، فَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي بُطْلَانَ صَلَاتِهِ، إنْ انْتَقَلَ عَنْ مَحَلِّهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ. أَمَّا مَا دَامَ فِي مَحَلِّهَا وَهُوَ حَرْفُهَا، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْفَاتِحَةَ رُكْنٌ وَاحِدٌ مَحَلُّهُ الْقِيَامُ، لَا أَنَّ كُلَّ حَرْفٍ رُكْنٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: (أَوْ) تَرَكَ (تَرْتِيبَهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (غَيْرُ مَأْمُومٍ)، بِأَنْ كَانَ إمَامًا، أَوْ مُنْفَرِدًا (بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ) عُرْفًا، (أَوْ بِذِكْرٍ) كَثِيرٍ، (أَوْ دُعَاءٍ) كَثِيرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا لِقَطْعِهِ مُوَالَاتَهَا. (أَوْ) قَطَعَهَا غَيْرُ مَأْمُومٍ بِـ (قُرْآنٍ كَثِيرٍ) عُرْفًا، (لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا)، أَيْ: أَنْ يَبْتَدِئَهَا مِنْ أَوَّلِهَا (إنْ تَعَمَّدَ) الْقَطْعَ الْمُبْطِلَ (بِخِلَافِ نَحْوِ سَهْوٍ وَنَوْمٍ) فَيُعْفَى عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ لَوْ سَكَتَ كَثِيرًا نِسْيَانًا أَوْ نَوْمًا، أَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا غَلَطًا، فَطَالَ، بَنَى عَلَى مَا قَرَأَ مِنْهَا، (وَكَانَ) الْقَطْعُ (غَيْرَ مَشْرُوعٍ) فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ مَشْرُوعًا كَسُكُوتِهِ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ هُوَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَكَسُجُودِهِ لِتِلَاوَةٍ، وَسُؤَالِهِ الرَّحْمَةَ عِنْدَ آيَةِ رَحْمَةٍ، وَتَعَوُّذِهِ عِنْدَ آيَةِ عَذَابٍ، فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِعْرَاضٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ. (وَلَا تَبْطُلُ) الْقِرَاءَةُ (بِنِيَّةِ قَطْعِهَا)؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْقَطْعِ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَهُوَ مَعْنَوِيٌّ. وَإِنَّمَا جَعَلْنَا نِيَّةَ قَطْعِ الصَّلَاةِ مُؤَثِّرَةً فِيهَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ تَجِبُ اسْتِدَامَتُهَا فِيهَا حُكْمًا، وَالْقِرَاءَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ خَاصَّةٍ، فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا نِيَّةُ الْقَطْعِ. (وَلَوْ سَكَتَ يَسِيرًا) فَبَنَى عَلَى مَا قَرَأَهُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِاللِّسَانِ فَلَمْ تَنْقَطِعْ، بِخِلَافِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ. (وَلَا) تَبْطُلُ (إنْ غَلِطَ) بِانْتِقَالِهِ عَنْ الْفَاتِحَةِ إلَى قِرَاءَةِ غَيْرِهَا، وَلَوْ طَالَ (فَرَجَعَ وَأَتَمَّ)، فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا لِمَا تَقَدَّمَ. (وَسُنَّ قِرَاءَتُهَا)، أَيْ: الْفَاتِحَةِ، (مُرَتَّلَةً مُعْرَبَةً)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}، (يَقِفُ) فِيهَا (عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ) كَقِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (وَلَوْ تَعَلَّقَتْ) الْآيَةُ الثَّانِيَةُ (بِمَا بَعْدَهَا)، أَيْ: بِالْأُولَى، تَعَلُّقَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ، كَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} بَعْدَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. أَوْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً تَعَلُّقَ الْبَدَلِ بِالْمُبْدَلِ مِنْهُ كَ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بَعْدَ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}. (وَيُمْكِنُ حُرُوفُ مَدٍّ وَلِينٍ) وَهِيَ: الْأَلِفُ اللَّيِّنَةُ، وَالْوَاوُ الْمَضْمُومُ مَا قَبْلَهَا، وَالْيَاءُ الْمَكْسُورُ مَا قَبْلَهَا، (مَا لَمْ يُؤَدِّ) التَّمْكِينُ (لِتَمْطِيطٍ) فَيَتْرُكُهُ. (وَهِيَ)، أَيْ: الْفَاتِحَةُ (أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ) وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَفْضَلُ سُورَةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ، لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا: «أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى. (وَأَعْظَمُ آيَةٍ فِيهِ)، أَيْ: الْقُرْآنِ: (آيَةُ الْكُرْسِيِّ)، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ، بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ مِنْ الْمَعَانِي، وَالْبَلَاغَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْجَمِيعِ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ التَّفْضِيلَ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقِ لَا بِالذَّاتِ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا- أَيْ: آيَةُ الْكُرْسِيِّ- سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ. (وَكُرِهَ إفْرَاطٌ بِتَشْدِيدٍ وَمَدٍّ)؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ لِلْقِرَاءَةِ عَنْ مَوْضُوعِهَا.
(وَ) كُرِهَ (قَوْلٌ مَعَ إمَامِهِ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَنَحْوُهُ)؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ. (فَإِذَا فَرَغَ) مِنْ الْفَاتِحَةِ (قَالَ: آمِينَ، بِقَصْرِ) الْهَمْزَةِ، (وَمَدُّ) هَا (أَوْلَى، بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ، لِيُعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ)، وَإِنَّمَا هِيَ طَابَعُ الدُّعَاءِ وَمَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ، وَقِيلَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى. (وَحَرُمَ وَبَطَلَتْ) الصَّلَاةُ (إنْ شَدَّدَ مِيمَهَا)؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَعْنَى قَاصِدِينَ (يَجْهَرُ بِهَا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ مَعًا)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَبُو وَائِلٍ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَان يَقُولُ: آمِينَ، يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ» رَوَاه أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُؤَمِّنُ وَيُؤَمِّنُونَ، حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
(وَ) يَجْهَرُ بِهَا (مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ) مِنْ الْقِرَاءَةِ تَبَعًا لَهَا، (فَإِنْ تَرَكَهُ)، أَيْ: التَّأْمِينَ (إمَامٌ) فِي جَهْرِيَّةٍ، (أَوْ أَسَرَّهُ) الْإِمَامُ فِيهَا، (أَتَى مَأْمُومٌ جَهْرًا)؛ لِأَنَّ جَهْرَ الْمَأْمُومِ بِهِ سُنَّةٌ، فَلَا يَسْقُطُ بِتَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ، كَتَرْكِ التَّعَوُّذِ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا نَسِيَهُ الْإِمَامُ فَيَجْهَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ لِيَذْكُرَهُ، فَيَأْتِيَ بِهِ. (وَسُنَّ سُكُوتُ إمَامٍ بَعْدَهَا)، أَيْ: بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، (بِقَدْرِ قِرَاءَةِ مَأْمُومٍ) الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ سَمُرَةَ، لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَ الْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَام وَ(لَا) يُسَنُّ (قَوْلُ) مُصَلٍّ: (آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، لِمَا تَقَدَّمَ فِي التَّكْبِيرِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَيَلْزَمُ جَاهِلًا تَعَلُّمُ الْفَاتِحَةِ)؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَزِمَ تَحْصِيلُهَا إذَا أَمْكَنَهُ كَشُرُوطِهَا. (فَإِنْ) لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَعَلُّمِهَا، أَوْ (ضَاقَ وَقْتٌ) عَنْ التَّعَلُّمِ، سَقَطَ كَسَائِرِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ، وَ(لَزِمَهُ قِرَاءَةُ قَدْرِهَا حُرُوفًا وَآيَاتٍ) مِنْ غَيْرِهَا مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ، لِمُشَارَكَتِهِ لَهَا فِي الْقُرْآنِيَّةِ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ عَدَدُ الْحُرُوفِ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ، بِدَلِيلِ اعْتِبَارِ تَقْدِيرِ الْحَسَنَاتِ بِهَا، فَاعْتُبِرَتْ كَالْأُمِّيِّ. (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) مِنْ الْقُرْآنِ (إلَّا آيَةً) وَاحِدَةً (مِنْهَا)، أَيْ: الْفَاتِحَةِ، (كَرَّرَهَا)، أَيْ: الْآيَةَ الَّتِي يُحْسِنُهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ (بِقَدْرِهَا) لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهَا، فَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ. وَإِنْ أَحْسَنَ آيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَآيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا كَرَّرَ الَّذِي مِنْ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِهَا. (وَلَا يُجْزِئُهُ آيَةٌ مِنْ غَيْرِهَا) ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا، (بِخِلَافِ) مَنْ عَرَفَ (بَعْضَ آيَةٍ) فَلَا يُكَرِّرُهُ وَيَعْدِلُ إلَى الذِّكْرِ. (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قُرْآنًا)، أَيْ: آيَةً فِيهِ، (حَرُمَ تَرْجَمَتُهُ)، أَيْ: تَعْبِيرٌ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى، (إذْ) التَّرْجَمَةُ (لَا تُسَمَّى قُرْآنًا)، بَلْ هِيَ تَفْسِيرٌ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تَعَالَى {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (فَلَا تَحْرُمُ) التَّرْجَمَةُ (عَلَى جُنُبٍ، وَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ) وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} وَالْإِنْذَارُ بِالتَّرْجَمَةِ يَحْصُلُ بِالْمُفَسَّرِ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ لَا بِالتَّفْسِيرِ. (وَتَحْسُنُ) تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ (لِحَاجَةِ تَفْهِيمٍ) بِهَا، وَتَكُونُ تِلْكَ التَّرْجَمَةُ عِبَارَةً عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ، وَتَفْسِيرًا لَهُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ، لَا قُرْآنًا، وَلَا مُعْجِزًا (وَلَزِمَهُ)، أَيْ: مَنْ لَمْ يُحْسِنْ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ (قَوْلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد، عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ». الْحَدِيثَ، وَمَنْ أَسْقَطَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، اعْتَمَدَ عَلَى حَدِيثِ رِفَاعَة ابْن رَافِع «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَّمَ رَجُلًا الصَّلَاةَ، فَقَالَ: إنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ، ثُمَّ ارْكَعْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ.
تَنْبِيهٌ:
الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ السَّابِقَ يُجْزِئُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِهَا، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ حَيْثُ اعْتَمَدَ أَنْ يُكَرِّرَ الذِّكْرَ، أَوْ يُضِيفَ إلَيْهِ ذِكْرًا آخَرَ حَتَّى يَصِيرَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ. (فَإِنْ عَرَفَ بَعْضَهُ) أَيْ: بَعْضَ الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ (كَرَّرَهُ) أَيْ: ذَلِكَ الْبَعْضَ (بِقَدْرِهِ) مُرَاعِيًا لِعَدَدِ الْحُرُوفِ وَالْجُمَلِ، كَمَنْ عَرَفَ آيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ الْفَاتِحَةِ. (وَيَتَّجِهُ جَوَازُ تَرْجَمَةٍ هُنَا) أَيْ: فِيمَا إذَا عَرَفَ بَعْضَ الذِّكْرِ، وَعَجَزَ عَنْ بَيَانِ بَاقِيهِ فَيَأْتِي بِمَا عَرَفَهُ مِنْهُ، وَيُتَرْجِمُ عَنْ الْبَاقِي بِلُغَتِهِ، لِيَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ الذِّكْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ، بَعْضُهُ بِلَفْظِهِ، وَبَعْضُهُ بِمَعْنَاهُ وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَمِيلُ النَّفْسُ إلَيْهِ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ الذِّكْرَ بَدَلٌ عَنْ الْقُرْآنِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَالتَّرْجَمَةُ عَنْ الذِّكْرِ بَدَلٌ عَنْهُ، وَهِيَ أَضْعَفُ مِنْ الْأَضْعَفِ، فَلَا تَقُومُ مَقَامَ مُبْدِلِهَا. (وَإِلَّا) يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ الذِّكْرِ، (وَقَفَ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ) الْفَاتِحَةِ (كَأَخْرَسَ) وَمَقْطُوعِ لِسَانٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَمْ تُجْزِئْهُ، فَمَعَ الْقُدْرَةِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ وَالْقِيَامُ بِقَدْرِهَا؛ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا، لَزِمَهُ الْآخَرُ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرَتْكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». (وَلَا يَلْزَمُ) عَاجِزًا عَنْ الْفَاتِحَةِ إتْيَانُهُ (بِصَلَاةٍ خَلْفَ قَارِئٍ)، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَأْمُرْ السَّائِلَ بِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ. (وَيُسَنُّ لَهُ) أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ قَارِئٍ لِتَكُونَ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةً لَهُ، وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. (وَمَنْ صَلَّى وَتَلَقَّفَ الْقِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ)، لِأَنَّهُ أَتَى بِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ، أَشْبَهَ الْقَارِئَ مِنْ حِفْظِهِ، أَوْ مِنْ مُصْحَفٍ. وَالتَّلَقُّفُ: التَّنَاوُلُ بِسُرْعَةٍ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ سُرْعَةُ التَّنَاوُلِ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُوَالَاةُ. (ثُمَّ يَقْرَأُ) الْمُصَلِّي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ حَالَ كَوْنِهِ (مُبَسْمِلًا) نَصًّا (سُورَةً كَامِلَةً نَدْبًا) قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ (مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ)، أَيْ: الْمُبَيَّنِ قَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ}، أَيْ: جُعِلَتْ تَفَاصِيلَ فِي مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ حِكَمٍ، وَأَمْثَالٍ، وَمَوَاعِظَ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَحَلَالٍ وَحَرَامٍ. وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ بَيْنَ السُّوَرِ. وَقِيلَ: لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ. (فِي) صَلَاةِ (فَجْرٍ، وَ) مِنْ (قِصَارِهِ فِي) صَلَاةِ (مَغْرِبٍ، وَفِي الْبَاقِي) مِنْ الْخَمْسِ، وَهِيَ: الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ (مِنْ أَوْسَاطِهِ) أَيْ: الْمُفَصَّلِ، لَكِنْ يَأْتِي فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُ يُطِيلُ فِي الظُّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ الْعَصْرِ، لِحَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ فُلَانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْغَدَاةِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيِّ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاةٌ. (وَلَا يُكْرَهُ) أَنْ يَقْرَأَ مُصَلٍّ (لِعُذْرٍ: كَمَرَضٍ، وَسَفَرٍ) وَخَوْفٍ، وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ، وَلُزُومِ غَرِيمٍ (بِأَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ) فِي فَجْرٍ، وَغَيْرِهَا لِلْعُذْرِ (وَإِلَّا) يَكُنْ عُذْرٌ (كُرِهَ بِقِصَارِهِ فِي فَجْرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ.
وَ(لَا) تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ (بِطِوَالِهِ فِي مَغْرِبٍ) نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ. «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ فِيهَا بِالْأَعْرَافِ»، وَالسُّورَةُ وَإِنْ قَصُرَتْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ. (وَأَوَّلُهُ) أَيْ: الْمُفَصَّلِ: سُورَةُ (ق)، لِحَدِيثِ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ. (وَلَا يُعْتَدُّ بِالسُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ) لِعَدَمِ وُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا. (وَتَجُوزُ) أَيْ: تُجْزِئُ (آيَةٌ)، إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ (أَحْمَدَ اسْتَحَبَّ أَنَّ أَوَّلَ الْمُفَصَّلِ: السُّورَةُ التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ)، لَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَهِيَ: ق. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. (وَآخِرُ طِوَالِهِ: إلَى) سُورَةِ (عَمَّ، وَأَوْسَاطُهُ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ سُورَةِ عَمَّ (لِلضُّحَى، وَقِصَارُهُ مِنْهَا) أَيْ: الضُّحَى (لِآخِرِهِ) أَيْ: الْقُرْآنِ. (وَلَا يُعْتَدُّ بِالسُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ) لِعَدَمِ وُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا. (وَتَجُوزُ) أَيْ: تُجْزِئُ (آيَةٌ، إلَّا أَنَّ) الْإِمَامَ (أَحْمَدُ اسْتَحَبَّ: أَنْ تَكُونَ طَوِيلَةً كَآيَةِ الدَّيْنِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ) لِتُشْبِهَ بَعْضَ السُّوَرِ الْقِصَارِ قَالَ فِي: شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ: عَدَمُ إجْزَاءِ آيَةٍ لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أَوْ حُكْمٍ، نَحْوُ: {ثُمَّ نَظَرَ}، وَ{مُدْهَامَّتَانِ}. (فَإِنْ قَرَأَ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَسْمِلَ نَصًّا) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَجُوزُ قِرَاءَةُ آخِرِ سُورَةٍ، وَأَوْسَطِهَا، فَيُسَمِّي إذَنْ. انْتَهَى.
وَظَاهِرُهُ حَتَّى بَرَاءَةَ، وَلِبَعْضِ الْقُرَّاءِ فِيهِ تَرَدُّدٌ. وَإِنْ كَانَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ؛ فَإِنْ شَاءَ جَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ، كَمَا يُخَيَّرُ فِي الْقِرَاءَةِ. وَيُكْرَهُ اقْتِصَارُ مُصَلٍّ عَلَى سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ. (وَحَرُمَ تَنْكِيسُ الْكَلِمَاتِ) الْقُرْآنِيَّةِ؛ لِإِخْلَالِهِ بِنَظْمِهَا. (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِهِ عَمْدًا)؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِإِخْلَالِهِ نَظْمَهُ كَلَامًا أَجْنَبِيًّا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ.
وَ(لَا) يَحْرُمُ تَنْكِيسُ (السُّوَرِ) وَلَا تَنْكِيسُ (الْآيَاتِ)، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ، لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ يُعْتَبَرُ تَرْتِيبُهَا. (وَيُكْرَهُ) تَنْكِيسُ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَعَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ. (كـَ) مَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةِ (بِكُلِّ الْقُرْآنِ فِي) صَلَاةِ (فَرْضٍ)، لِلْإِطَالَةِ، وَعَدَمِ نَقْلِهِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِكُلِّهِ فِي نَفْلٍ، (أَوْ) أَيْ: وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ (بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ) ظَاهِرُهُ: فِي الْفُرُوضِ، وَالنَّفَلِ وَ(لَا) يُكْرَهُ (تَكْرَارُ سُورَةٍ) فِي رَكْعَتَيْنِ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» رَوَاه سَعْدُ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُكْرَهُ (تَفْرِيقُهَا) أَيْ: السُّورَةِ (فِي رَكْعَتَيْنِ)؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «كَانَ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. (وَلَا) يُكْرَهُ أَيْضًا (جَمْعُ سُوَرٍ فِي رَكْعَةٍ، وَلَوْ فِي فَرْضٍ)، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَؤُمُّهُمْ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ كُلِّ سُورَةٍ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ؟ فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ: حُبُّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ». وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَكْتُوبَةِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ». (وَلَا) يُكْرَهُ أَيْضًا (قِرَاءَةُ آخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا)، لِعُمُومِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}. وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَان يَقْرَأُ فِي الْأُولَى مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَوْله تَعَالَى {قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا}، وَفِي الثَّانِيَةِ الْآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُكْرَهُ لِمُصَلٍّ (مُلَازَمَةُ) قِرَاءَةِ (سُورَةٍ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ (مَعَ اعْتِقَادِ جَوَازِ غَيْرِهَا) وَمَعَ اعْتِقَادِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهَا لِلْخَبَرِ. وَإِلَّا حَرُمَ اعْتِقَادُهُ لِفَسَادِهِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (تَرْتِيبُ الْآيَاتِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَهَا بِالنَّصِّ إجْمَاعًا، وَتَرْتِيبُ السُّوَرِ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِالنَّصِّ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ: الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ) فَيَجُوزُ قِرَاءَةُ هَذِهِ السُّورَةِ قَبْلَ هَذِهِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ. وَكَذَا تَجُوزُ كِتَابَةُ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ، وَلِهَذَا تَنَوَّعَتْ مَصَاحِفُ الصَّحَابَةِ فِي كِتَابَتِهَا فَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ تَنْكِيسُ الْآيَاتِ. وَالْمَذْهَبُ يُكْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَمَّا اتَّفَقُوا) أَيْ: الصَّحَابَةُ، (عَلَى الْمُصْحَفِ زَمَنَ عُثْمَانَ) بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (صَارَ هَذَا مِمَّا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ) أَيْ: حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ». الْحَدِيثَ (أَنَّ لَهُمْ سُنَّةً يَجِبُ اتِّبَاعُهَا) لِلْخَبَرِ. (وَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ) كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ؛ لِعَدَمِ تَوَاتُرِهَا. (وَيَتَّجِهُ هُنَا) أَيْ: عَدَمُ الصِّحَّةِ، إنَّمَا يَكُونُ (فِي قِرَاءَةٍ تُبْدِلُ الْحُرُوفَ) بِغَيْرِهَا (كَقِرَاءَةِ يَعْبُدُ: بِالْيَاءِ) الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ (وَ) فِي قِرَاءَةِ (مَنْ أَنْعَمْت) بِفَتْحِ الْمِيمِ (بَدَلَ الَّذِينَ) لِأَنَّهَا مِنْ الشَّوَاذِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى قَارِئٍ أَنْ يَقْرَأَ بِمَا خَرَجَ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ (لِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ) (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِمَا وَافَقَ الْمُصْحَفَ) الْعُثْمَانِيَّ، (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَشَرَةِ نَصًّا) أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مُصْحَفِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ كَسُورَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَزِيَادَةِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَ الْقِرَاءَةَ بِالثَّلَاثَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى السَّبْعِ، وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ، وَلَا أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ عَلِمَ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَالْعَشَرَةُ هُمْ قُرَّاءُ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورُونَ: فَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اثْنَانِ: أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ. وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ. وَمِنْ الْبَصْرَةِ: أَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ. وَمِنْ الْكُوفَةِ: عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، وَحَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ الزَّيَّاتُ القسملي وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْكِسَائِيُّ، وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الرِّعَايَةِ قَيْدٌ آخَرُ: مَعَ مُوَافَقَةِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ، وَهُوَ: صِحَّةُ سَنَدِهِ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ ذَلِكَ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ، مَا وَافَقَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ، وَصَحَّ سَنَدُهُ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ قِرَاءَةِ الْعَشَرَةِ؛ فَهَذَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
وَالثَّانِي: مَا وَافَقَهُ، وَصَحَّ سَنَدُهُ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ عَنْ قِرَاءَةِ الْعَشَرَةِ، فَهَذَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ أَيْضًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِرَاءَةِ الْعَشَرَةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ أَيْضًا.
وَالثَّالِثُ: مَا خَرَجَ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ) وَإِنْ كَانَتَا مُتَوَاتِرَتَيْنِ لِمَا يَأْتِي.
وَ(لَا) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِقِرَاءَةِ (غَيْرِهِمَا)، أَيْ: غَيْرِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ (مِنْ الْعَشَرَةِ) الْمَذْكُورِينَ.
(وَ) عَنْهُ: يُكْرَهُ (الْإِدْغَامُ الْكَبِيرُ لِأَبِي عَمْرٍو) لِلْإِدْغَامِ الشَّدِيدِ. (وَإِنَّمَا كَرِهَ) الْإِمَامُ (قِرَاءَةَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ لِزِيَادَةِ الْمَدِّ، وَلِلْكَسْرِ وَالْإِدْغَامِ الشَّدِيدَيْنِ، فَيَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَرْفٍ بِعَشْرِ حَسَنَاتٍ) وَلِهَذَا يُعْتَمَدُ: أَنَّ الْحَرْفَ الَّذِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعَشْرُ حَسَنَاتٍ، هُوَ الْحَرْفُ مِنْ الْكَلِمَةِ، لَا الْكَلِمَةُ كُلُّهَا (وَاخْتَارَ) الْإِمَامُ (قِرَاءَةَ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ)؛ لِأَنَّ إسْمَاعِيلَ قَرَأَ عَلَى شَيْبَةَ شَيْخِ نَافِعٍ. (ثُمَّ) الْمُخْتَارُ بَعْدَ قِرَاءَةِ نَافِعٍ (قِرَاءَةُ عَاصِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ)؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلَى زَيْدٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ اخْتَارَهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مَنْ أَخَذَهَا عَنْهُ، مَعَ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَزُهْدٍ. (وَمَالِكِ أَحَبُّ إلَى) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ مِنْ مَلِكِ) وَكُلُّ قِرَاءَةٍ فِيهَا زِيَادَةُ حَرْفٍ مِثْلُ: فَأَزَالَهُمَا، وَأَزَلَّهُمَا وَأَوْصَى وَوَصَّى، فَهِيَ أَوْلَى لِأَجْلِ زِيَادَةِ الْعَشْرِ حَسَنَاتٍ، نَقَلَهُ حَرْبٌ.
(وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ لَا يُدْغِمُ شَيْئًا فِي الْقُرْآنِ إلَّا اتَّخَذْتُمْ، وَبَابُهُ) لِأَنَّهَا قِرَاءَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ.
(وَ) كَانَ (يَمُدُّ) الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْفَصِلَ وَالْبَدَلَ (مَدًّا مُتَوَسِّطًا) مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ فَيَجْعَلُ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْفَصِلَ ثَلَاثَ أَلِفَاتٍ وَالْبَدَلَ أَلِفًا وَاحِدًا. (وَسُنَّ جَهْرُ إمَامٍ بِقِرَاءَةِ) الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ (فِي صُبْحِ بَرُوكٍ وَعِيدٍ، وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ بَعْدَهَا، وَفِي أُولَتَيْ مَغْرِبٍ، وَعِشَاءٍ وَيُسِرُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) لِثُبُوتِ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ عَنْهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ كُسُوفٍ. (وَكُرِهَ لِمَأْمُومٍ) جَهْرٌ بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ، وَالْإِنْصَاتِ لَهَا، وَإِسْمَاعُهُ الْقِرَاءَةَ لِغَيْرِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ.
(وَ) كُرِهَ (لِكُلِّ مُصَلٍّ) جَهْرٌ بِقِرَاءَةٍ (نَهَارًا فِي نَفْلٍ) غَيْرِ كُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ (وَيُخَيَّرُ مُنْفَرِدٌ) فِي جَهْرٍ بِقِرَاءَةٍ، وإخفات فِي جَهْرِيَّةٍ.
(وَ) يُخَيَّرُ أَيْضًا (قَائِمٌ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ) مِنْ صُبْحٍ، وَأُولَيَيْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ. وَتَرْكُ الْجَهْرِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ، وَجَازَ لَهُ الْجَهْرُ لِشَبَهِهِ بِالْإِمَامِ فِي عَدَمِ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ. (وَيُسِرُّ) مُصَلٍّ بِقِرَاءَةٍ (فِي قَضَاءِ صَلَاةِ جَهْرٍ) كَصُبْحٍ (نَهَارًا مُطْلَقًا)، أَيْ: فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا، اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ (وَيَجْهَرُ بِهَا) أَيْ: الْقِرَاءَةِ، فِي صَلَاةِ جَهْرٍ قَضَاهَا (لَيْلًا فِي جَمَاعَةٍ) اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ وَشَبَهِهَا بِالْأَدَاءِ، لِكَوْنِهَا فِي جَمَاعَةٍ. فَإِنْ قَضَاهَا مُنْفَرِدًا أَسَرَّهَا لِفَوَاتِ شَبَهِهَا بِالْأَدَاءِ (وَفِي) قِرَاءَةِ صَلَاةِ (نَفْلٍ) لَيْلًا (يُرَاعِي الْمَصْلَحَةَ) فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، مَنْ يَتَأَذَّى بِجَهْرِهِ، أَسَرَّ وَإِنْ كَانَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِجَهْرِهِ، جَهَرَ.
(قَالَ) الْمُحِبُّ (بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْكَتَّانِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النَّهَارَ هُنَا مِنْ طُلُوعِ شَمْسٍ) لَا مِنْ طُلُوعِ فَجْرٍ، وَاللَّيْلُ مِنْ غُرُوبِهَا إلَى طُلُوعِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْأَذَانِ مَعْنَاهُ.

.(فَصلٌ): [صفة الركوع]:

ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ يَثْبُتُ قَائِمًا، وَيَسْكُتُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ نَفَسُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، وَلَا يَصِلُ قِرَاءَتَهُ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ.
قَالَ أَحْمَدُ، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: «فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ سَكَتَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. ثُمَّ (يَرْكَعُ مُكَبِّرًا) أَيْ: قَائِلًا فِي هَوِيِّهِ لِرُكُوعِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، (رَافِعًا يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَائِهِ)، أَيْ: التَّكْبِيرِ، إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ كَرَفْعِهِ الْأَوَّلِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَصَّبَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ وَمَضَى عَمَلُ السَّلَفِ عَلَى هَذَا. (فَيَضَعُ) رَاكِعٌ (يَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) مُلِفًّا كُلَّ يَدٍ عَلَى رُكْبَتِهِ، لِمَا فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ عَنْ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَّجَ أَصَابِعَهُ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ». (وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِيًا وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَهُ)، أَيْ: حِيَالَ ظَهْرِهِ، لَا يَرْفَعُهُ وَلَا يَخْفِضُهُ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «كَان النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا رَكَعَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ: «أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا رَكَعَ لَوْ كَانَ قَدَحُ مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ مَا تَحَرَّكَ لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ». ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَابِصه بْنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي، وَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ».
(وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ) لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا، وَوَتَّرَ يَدَيْهِ فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. (وَالْمُجْزِئ) فِي الرُّكُوعِ انْحِنَاؤُهُ (بِحَيْثُ يُمْكِنُ) مَنْ كَانَ (وَسَطًا) فِي الْخِلْقَةِ (مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِكَفَّيْهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ) لَا يُسَمَّى رَاكِعًا بِدُونِهِ، وَ(لَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ قِيَامٍ لِرُكُوعٍ إلَّا بِهِ) أَيْ: بِالْمَسِّ (أَوْ قَدْرِهِ) أَيْ: قَدْرِ هَذَا الِانْحِنَاءِ (مِنْ غَيْرِ وَسَطٍ) كَطَوِيلِ الْيَدَيْنِ، وَقَصِيرِهِمَا، فَيَنْحَنِي حَتَّى يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ، لَأَمْكَنَهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ.
(وَ) قَدْرُ الْمُجْزِئ (مِنْ قَاعِدٍ مُقَابَلَةُ وَجْهِهِ) بِانْحِنَائِهِ (مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ أَدْنَى)، أَيْ: أَقَلَّ (مُقَابَلَةٍ)؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَاعِدًا مُعْتَدِلًا، لَا يَنْظُرُ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِذَا انْحَنَى بِحَيْثُ يَرَى مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْهَا، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ الرُّكُوعِ. (وَتَتِمَّتُهَا) أَيْ: تَتِمَّةُ مُقَابَلَةِ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، (الْكَمَالُ) فِي رُكُوعِ قَاعِدٍ. وَقَالَ الْمَجْدُ: ضَابِطُ الْإِجْزَاءِ: الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ أَنْ يَكُونَ انْحِنَاؤُهُ إلَى الرُّكُوعِ الْمُعْتَدِلِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ الْمُعْتَدِلِ. (وَيَنْوِيهِ)، أَيْ: الرُّكُوعَ، (أَحْدَبُ لَا يُمْكِنُهُ) رُكُوعٌ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا. فَإِنْ أَمْكَنَهُ بَعْضُهُ، كَعَاجِزٍ عَنْ الِانْحِنَاءِ الْمُجْزِئ لِلصَّحِيحِ، أَوْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الِانْحِنَاءِ إلَّا عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». (وَمَنْ انْحَنَى لِتَنَاوُلِ شَيْءٍ، وَلَمْ يَخْطِرْ رُكُوعٌ بِبَالِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ) لِعَدَمِ نِيَّتِهِ. (وَلَوْ سَقَطَ) رَاكِعٌ إلَى الْأَرْضِ (لِعِلَّةٍ) طَرَأَتْ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتْ بِهِ وَسَقَطَ مِنْهَا (قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْهُ)، أَيْ: الرُّكُوعِ، (عَادَ)، أَيْ: لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الرُّكُوعِ، لِيَأْتِيَ بِالرَّفْعِ بَعْدَهُ، ثُمَّ يَسْجُدُ هَذَا (إنْ زَالَتْ) الْعِلَّةُ الَّتِي سَقَطَ مِنْهَا.
وَ(لَا) يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الرُّكُوعِ إنْ كَانَ زَوَالُهَا (بَعْدَ سُجُودِهِ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الرُّكُوعِ بِالسُّجُودِ، فَتَلْغُو تِلْكَ الرَّكْعَةُ، وَتَقُومُ الَّتِي تَلِيهَا مَقَامَهَا. (فَإِنْ عَادَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ السُّجُودِ إلَى الرُّكُوعِ (عَالِمًا) عَمْدًا، (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) وَإِنْ كَانَ سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا، وَجَبَ السُّجُودُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجْزِهِ فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَهُ. وَلَوْ سَقَطَ عَلَى جَنْبِهِ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ، وَانْقَلَبَ سَاجِدًا، لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ. فَإِنْ سَقَطَ سَاجِدًا، أَجْزَأَهُ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَيْئَتِهِ، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (وَيَتَّجِهُ: لَوْ سَقَطَ) مُصَلٍّ (قَبْلَ رُكُوعٍ) لِعِلَّةٍ (فَرَكَعَ جَالِسًا)، ثُمَّ زَالَتْ الْعِلَّةُ، (لَا يَعُودُ) أَيْ: لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِيَرْكَعَ قَائِمًا، وَلَوْ كَانَ زَوَالُ عِلَّةٍ (قَبْلَ سُجُودٍ) كَذَا قَالَ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ قُنْدُسٍ: عَدَمُ سُقُوطِ الْقِيَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، مَا لَمْ يَتَلَبَّسْ بِالسُّجُودِ، فَتَفَطَّنَ لِذَلِكَ (وَيَقُولُ) فِي رُكُوعِهِ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» فَلَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قَالَ: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» رَوَاه أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد. وَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ: وَبِحَمْدِهِ، وَالْوَاجِبُ مَرَّةٌ كَمَا يَأْتِي. وَالسُّنَّةُ (ثَلَاثًا، وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَذَلِكَ أَدْنَاهُ. (وَأَعْلَاهُ) أَيْ: الْكَمَالُ (لِإِمَامٍ عَشْرٌ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْغُلَامِ يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ فَحَزَرْنَا فِي الرُّكُوعِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ وَفِي السُّجُودِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ.
(وَ) أَعْلَى الْكَمَالِ فِي التَّسْبِيحِ (لِمُنْفَرِدٍ: الْعُرْفُ) أَيْ: الْمُتَعَارَفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَسَكَتَ عَنْ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ (وَكَذَا: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، فِي سُجُودِهِ) أَيْ: حُكْمُهَا حُكْمُ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (وَالْكَمَالُ فِي: رَبِّ اغْفِرْ لِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ثَلَاثٌ)، إمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا (فِي غَيْرِ صَلَاةِ كُسُوفٍ فِي الْكُلِّ) لِمَا فِيهَا مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّطْوِيلِ. (وَتُكْرَهُ قِرَاءَةٌ فِيهِ) أَيْ: الرُّكُوعِ (وَفِي سُجُودٍ) لِنَهْيِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّهُمَا حَالُ ذُلٍّ وَانْخِفَاضٍ، وَالْقُرْآنُ أَشْرَفُ الْكَلَامِ. (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مَعَ يَدَيْهِ) إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (قَائِلًا إمَامٌ وَمُنْفَرِدٌ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَمَعْنَاهُ: أَجَابَ) حَالَ كَوْنِهِ (مُرَتَّبًا وُجُوبًا) لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَا بُرَيْدَةُ إذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَلَوْ قَالَ: مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ، لِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْأَوَّلَ صِيغَةٌ تَصْلُحُ لِلدُّعَاءِ، وَالثَّانِيَ صِيغَةُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَافْتَرَقَا. وَمَعْنَى سَمِعَ، أَيْ: تَقَبَّلَهُ وَجَازَاهُ عَلَيْهِ. (ثُمَّ إنْ شَاءَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا) بِجَانِبِهِ، فَيُخَيَّرُ نَصًّا. (فَإِذَا قَامَ) أَيْ: اسْتَوَى قَائِمًا، حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَوْضِعِهِ، لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى قَائِمًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ». (قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) بِلَا وَاوٍ، لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِهِ (وَبِوَاوٍ أَفْضَلُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ». وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ حُرُوفًا، وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا وَمُظْهَرًا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ حَمِدْنَاكَ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّاهِرِ مَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ مُقَدَّرًا (وَمَعَ تَرْكِهَا) أَيْ: الْوَاوِ؛ (فَالْأَفْضَلُ) قَوْلُ: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. (ثُمَّ يَزِيدُ غَيْرُ مَأْمُومٍ نَدْبًا بَعْدَ رَفْعٍ) مِنْ رُكُوعٍ، وَقَوْلُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ أَوْ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ (مِلْءُ السَّمَاءِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) أَيْ: بَعْدَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُ سَعَتَهُ إلَّا اللَّهُ، لِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاءِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ ذَلِكَ.
(وَ) نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: (إنْ شَاءَ زَادَ) عَلَى ذَلِكَ (أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ) قَالَ أَحْمَدُ: وَأَنَا أَقُولُهُ، فَظَاهِرُهُ يُسْتَحَبُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَأَهْلَ مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ: أَنْتَ أَهْلُهُمَا (أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: ذُكِرَتْ- الْحُدُودُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْخَيْلِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْإِبِلِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الْغَنَمِ، وَقَالَ آخَرُ: جَدُّ فُلَانٍ فِي الرَّقِيقِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَاتَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ الرَّكْعَةِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ: وَطَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَوْتَهُ بِالْجَدِّ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ هَكَذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ السَّمَاوَاتِ بِالْجَمْعِ، وَالْجَدُّ: الْحَظُّ، أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ حَظُّهُ مِنْ الدُّنْيَا بِذَلِكَ، أَيْ: بَدَلُ طَاعَتِكَ أَوْ بَدَلُ حَظِّكَ، أَيْ: بَدَلُ حَظِّهِ مِنْكَ، قَالَهُ، فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ (أَوْ) يَقُولُ (غَيْرُهُ مِمَّا وَرَدَ)، وَمِنْهُ: «اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْوَسَخِ». (وَمَأْمُومٌ يُحَمِّدُ) بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَنَحْوُهُ (فَقَطْ حَالَ رَفْعِهِ) مِنْ الرُّكُوعِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَأَمَّا قَوْلُ: مِلْءُ السَّمَاءِ وَمَا بَعْدَهُ فَلَا يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ (وَإِنْ عَطَسَ) الْمُصَلِّي (إذَنْ) أَيْ: طَالَ رَفْعُهُ مِنْ الرُّكُوعِ (فَحَمِدَ) اللَّهَ (لَهُمَا جَمِيعًا) بِأَنْ قَالَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا وَرَدَ نَاوِيًا الْعُطَاسَ وَذِكْرَ الِانْتِقَالِ (لَمْ يُجْزِهِ، نَصًّا) هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ التَّحْمِيدِ؛ لِأَنَّ الْإِجْزَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ وَالْحَمْدُ لِلْعَاطِسِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِهِ) أَيْ الْحَمْدِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ، وَالْأَذْكَارُ الْوَاجِبَةُ فِي الصَّلَاةِ إذَا قَصَدَ بِهَا مَعَ وَاجِبِ الصَّلَاةِ أَمْرًا آخَرَ مَشْرُوعًا، أَوْ غَيْرَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْوَاجِبِ فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي مَسْأَلَتِنَا يُعِيدُ الْحَمْدَ ثَانِيًا قَبْلَ هَوِيِّهِ إلَى السُّجُودِ، وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ (وَمِثْلُهُ) لَوْ عَطَسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ لِعُطَاسِهِ، وَ(لِشُرُوعٍ) فِي (فَاتِحَةٍ) لَمْ يُجْزِهِ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَبِّحْ فِي رُكُوعِهِ، لَمْ يَعُدْ إلَى الرُّكُوعِ إذَا ذَكَرَهُ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى رُكْنٍ مَقْصُودٍ، فَلَا يَعُودُ إلَى وَاجِبٍ. فَإِنْ عَادَ إلَى التَّسْبِيحِ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ، فَقَدْ زَادَ رُكُوعًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ. (ثُمَّ) بَعْدَ الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ (يَخِرُّ) سَاجِدًا (مُكَبِّرًا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو حُمَيْدٍ فِي وَصْفِ صَلَاتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ) أَوَّلًا بِالْأَرْضِ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْ: الَّذِي فِيهِ وَضْعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْهُ «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ، وَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الْبَعِيرِ». وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: «كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَأَمَرَنَا بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ» لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ. (ثُمَّ) يَضَعُ (يَدَيْهِ)، أَيْ: كَفَّيْهِ (ثُمَّ) يَضَعُ (جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَكُونُ) فِي سُجُودِهِ (عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ) أَيْ: أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، مَثْنِيَّةً إلَى الْقِبْلَةِ، لِحَدِيثِ «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلَا قَابِضَهُمَا» (وَيُسَبِّحُ) فِي سُجُودِهِ فَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى (وَالسُّجُودُ بِالْمُصَلَّى عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ) السَّبْعَةِ أَيْ: مَعَ الْأَنْفِ: (فَرْضٌ لِقَادِرٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَمَرَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُسْجَدَ عَلَى سَبْعَةٍ، وَلَا يَكْفِ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا: الْجَبْهَةَ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْأَثْرَمِ، وَسَعِيدٍ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُصِيبُ الْأَنْفَ مِنْهَا مَا يُصِيبُ الْجَبْهَةَ». وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَضَعْ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ». (وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ (فِي آنٍ وَاحِدٍ)، بِحَيْثُ لَا يَجْعَلُ بَيْنَ وَضْعِ عُضْوٍ وَآخَرَ فَاصِلًا طَوِيلًا، فَلَوْ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ صَبَرَ مِقْدَارَ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَ(لَا) تَجِبُ (مُبَاشَرَتُهَا لَهُ) أَيْ: لِلْمُصَلِّي، (بِشَيْءٍ مِنْهَا)، أَيْ: مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ. أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْقَدَمَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَيَشْهَدُ لَهُ فِي الْجَبْهَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ فِي الْأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ مِنْ الْأَرْضِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ»، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كُوَرِ عِمَامَتِهِ»، (وَكُرِهَ تَرْكُهَا) أَيْ: مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِالْيَدَيْنِ وَالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ، (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ (نَحْوِ حَرٍّ)، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ مَرَضٍ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَأَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ (سِوَى رُكْبَتَيْنِ، فَيُكْرَهُ كَشْفُهُمَا)؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، (فَلَوْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ، غَيْرِ أَعْضَاءِ، سُجُودٍ كَكُوَرِ عِمَامَتِهِ، وَكُمِّهِ وَذَيْلِهِ، صَحَّتْ) صَلَاتُهُ. (وَيُجْزِئُ بَعْضُ كُلِّ عُضْوٍ) فِي السُّجُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ فِي الْحَدِيثِ فِي الْكُلِّ. وَيُجْزِئُهُ (وَلَوْ) كَانَ سُجُودُهُ عَلَى (ظَهْرِ كَفٍّ، وَ) ظَهْرِ (قَدَمٍ)، وَأَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْنِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ «أَنَّهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ، أَوْ قَدَمِهِ» وَ(لَا) يُجْزِئُهُ السُّجُودُ (إنْ كَانَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) كَوَضْعِ يَدَيْهِ تَحْتَ رُكْبَتَيْهِ، أَوْ جَبْهَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَدَاخُلِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ. (وَمَنْ عَجَزَ) عَنْ السُّجُودِ (بِجَبْهَتِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ) سُجُودٌ (بِغَيْرِهَا) مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهَا أَصْلًا فِي وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَيْهَا، وَجَعَلُوا غَيْرَهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ (تَبَعًا لَهَا)، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَفَعَهُ: «أَنَّ الْيَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْيَدَيْنِ يُوضَعَانِ بَعْدَ وَضْعِ الْوَجْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ السُّجُودَ بِهِمَا تَبَعٌ لِلسُّجُودِ بِهِ. وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْيَدَيْنِ، فَبَقِيَّةُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مِثْلُهُمَا لِعَدَمِ الْفَارِقِ. (وَيُومِئُ) عَاجِزٌ عَنْ السُّجُودِ عَلَى جَبْهَتِهِ، غَايَةَ (مَا يُمْكِنُهُ) وُجُوبًا، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». (وَسُنَّ أَنْ يُجَافِيَ) رَجُلٌ فِي سُجُودِهِ (عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَ) أَنْ يُجَافِيَ (بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَهُمَا) أَيْ: فَخِذَاهُ (عَنْ سَاقَيْهِ)، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا سَجَدَ تَجَنَّحَ فِي سُجُودِهِ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبْطَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مَا لَمْ يُؤْذِ جَارَهُ) بِذَلِكَ، (فـَ) يَجِبُ تَرْكُهُ، وَ(يَحْرُمُ) عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِحُصُولِ الْإِيذَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
(وَ) سُنَّ لَهُ أَنْ يَضَعَ (يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا: «كَانَ إذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ» رَوَاه الْبَيْهَقِيُّ. (وَلَهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي، (أَنْ يَعْتَمِدَ بِمِرْفَقَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ إنْ طَالَ) سُجُودُهُ لِيَسْتَرِيحَ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَكَوْا إلَيْهِ مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ: «اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ» رَوَاه أَحْمَدُ.
(وَ) سُنَّ لَهُ أَنْ (يُفَرِّقَ رُكْبَتَيْهِ) لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ: «وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ» (وَ) سُنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ (أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ) إنْ أَمْكَنَ، وَ(لَا) يُفَرِّقُهَا (إنْ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ تَفْرِيقُهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ (بِنَحْوِ خُفٍّ) كَجَوْرَبٍ (وَيُوَجِّهُهَا لِقِبْلَةٍ) لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلَا قَابِضَهُمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ». وَفِي رِوَايَةٍ: «وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ». يُقَالُ: فَتَخَ: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَأَصْلُ الْفَتْخِ: اللِّينُ، أَيْ: نَصَبَهُمَا، وَغَمَزَ الْمَفَاصِلَ مِنْهُمَا، وَثَنَاهَا إلَى بَاطِنِ الرِّجْلِ. (وَإِنْ عَلَا مَوْضِعُ رَأْسِهِ عَلَى) مَوْضِعِ (قَدَمَيْهِ، فَلَمْ تَسْتَعْلِ أَسَافِلُهُ بِلَا حَاجَةٍ فَلَا بَأْسَ بِيَسِيرِهِ) صَحَّحَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ، (وَكُرِهَ كَثِيرُهُ) أَيْ: يُكْرَهُ الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ. (وَلَا يُجْزِئُ) سُجُودُهُ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْلَاءِ الْأَسَافِلِ (إنْ خَرَجَ عَنْ صِفَةِ سُجُودٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاجِدًا.